فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان كل واقع في شدة مستبعدًا كل استبعاد الخلاص منها قال: {ثم} بأداة العبد {إذا أذاقهم} مسندًا الرحمة إليه تعظيمًا للأدب وإن كان الكل منه.
ولما كان السياق كله للتوحيد، فكانت العناية باستحضار المعبود باسمه وضميره أتم قال: {منه} مقدمًا ضميره دالًا بتقديم الجار على الاختصاص وأن ذلك لا يقدر عليه غيره، وقال: {رحمة} أي خلاصًا من ذلك الضر، إشارة إلى أنه لو أخذهم بذنوبهم أهلكهم، فلا سبب لإنعامه سوى كرمه، ودل على شدة إسراعهم في كفران الإحسان بقوله معبرًا بأداة المفاجأة: {إذا فريق منهم} أي طائفة هي أهل لمفارقة الحق {بربهم} أي المحسن إليهم دائمًا، المجدد لهم هذا الإحسان من هذا الضر {يشركون} بدل ما لزمهم من أنهم يشكرون فعلم أن الحق الذي لا معدل عنه الإنابة في كل حال إليه كما أجمعوا في وقت الشدائد عليه، وأن غيره مما فرقهم ضلال، لا يعدله قبالًا ولا ما يعدله قبال.
ولما كان هذا الفعل مما لا يفعله إلا شديد الغباوة أو العناد، وكانوا يدعون أنهم أعقل الناس، ربا بهم عن منزلة البله إلى ما الجنون خير منه تهكمًا بهم فقال: {ليكفروا بما} ولفت الكلام إلى مظهر العظمة فقال: {آتيناهم} أي من الرحمة التي من عظمتها أنه لا يقدر عليها غيرنا أمنًا من أن يقعوا في شدة اخرى فنهلكهم بما أغضبونا، أو توسلًا بذلك إلى أن نخلصهم متى وقعوا في أمثالها، فلما أضل عقولهم وأسفه آراءهم!.
ولما كان فعلهم هذا سببًا لغاية الغضب، دل عليه بتهديده ملتفتًا إلى المخاطبة بقوله: {فتمتعوا} أي بما أردتم فيه بالشرك من اجتماعكم عند الأصنام وتواصلكم بها وتعاطفكم، وسبب عن هذا التمتع قوله: {فسوف تعلمون} أي يكون لكم بوعد لا خلف فيه علم فتعرفون إذا حل بكم البلاء وأحاط بكم جميعًا المكروه هل ينفعكم شيء من الأصنام أو من اتخذتم عنده يدًا بعبادتها ووافقتموه في التقرب إليها.
ولما بكتهم بقوله: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} ووصل به ما تقدم أنه في غاية التواصل، عاد له ملتفتًا إيذانًا بالتهاون بهم إلى مقام الغيبة إبعادًا لهم عن جنابه حيث جلى لهم هذه الأدلة واستمروا في خطر إغضابه بقوله: {أم أنزلنا} بما لنا من العظمة {عليهم سلطانًا} أي دليلًا واضحًا قاهرًا {فهو} أي ذلك السلطان لظهور بيانه {يتكلم} كلامًا مجازيًا بدلالته وإفهامه، ويشهد {بما} أي بصحة الذي {كانوا} أي كونًا راسخًا {به} أي خاصة {يشركون} بحيث لم يجدوا بدًّا من متابعته لتزول عنهم الملامة، وهذه العبارة تدل على أنهم لازموا الشرك ملازمة صيرته لهم خلقًا لا ينفك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مُنيبينَ إلَيْه وَاتَّقُوهُ وَأَقيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ (31)}.
لما قال حنيفًا أي مائلًا عن غيره قال: {مُّنيبينَ إلَيْه} أي مقبلين عليه، والخطاب في قوله: {فَأَقمْ وَجْهَكَ} مع النبي والمراد جميع المؤمنين، وقوله: {واتقوه} يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة وأقيموا الصلاة أي كونوا عابدين عند حصول القربة كما قلتم قبل ذلك، ثم إنه تعالى قال: {وَلاَ تَكُونُوا منَ المشركين} قال المفسرون يعني ولا تشركوا بعد الإيمان أي ولا تقصدوا بذلك غير الله، وهاهنا وجه آخر وهو أن الله بقوله: {مُّنيبينَ} أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك الظاهر وبقوله: {وَلاَ تَكُونُوا منَ المشركين} أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ولا تطلبوا به إلا رضاء الله فإن الدنيا والآخرة تحصيل وإن لم تطلبوها إذا حصل رضا الله وعلى هذا فقوله: {منَ الذين فَرَّقُوا دينَهُمْ وَكَانُوا شيَعًا} يعني لم يجتمعوا على الإسلام، وذهب كل أحد إلى مذهب، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعًا يعني بعضهم عبد الله للدنيا وبعضهم للجنة وبعضهم للخلاص من النار، وكل واحد بما في نظره فرح، وأما المخلص فلا يفرح بما يكون لديه، وإنما يكون فرحه بأن يحصل عند الله ويقف بين يديه وذلك لأن كل ما لدينا نافد لقوله تعالى: {مَا عندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96] فلا مطلوب لكم فيما لديكم حتى تفرحوا به وإنما المطلوب ما لدى الله وبه الفرح كما قال تعالى: {بَلْ أَحْيَاء عندَ رَبّهمْ يُرْزَقُونَ فَرحينَ بمَا ءاتاهم الله من فَضْله} [آل عمران: 169- 170] جعلهم فرحين بكونهم عند ربهم ويكون ما أوتوا من فضله الذي لا نفاد له، ولذلك قال تعالى: {قُلْ بفَضْل الله وَبرَحْمَته فَبذَلكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] لا بما عندهم فإن كل ما عند العبد فهو نافد، أما في الدنيا فظاهر، وأما في الآخرة فلأن ما وصل إلى العبد من الالتذاذ بالمأكول والمشروب فهو يزول، ولكن الله يجدد له مثله إلى الأبد من فضله الذي لا نفاد له فالذي لا نفاد له هو فضله.
{وَإذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنيبينَ إلَيْه ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ منْهُ رَحْمَةً إذَا فَريقٌ منْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ (33)}.
لما بين التوحيد بالدليل وبالمثل، بين أن لهم حالة يعرفون بها، وإن كانوا ينكرونها في وقت وهي حالة الشدة، فإن عند انقطاع رجائه عن الكل يرجع إلى الله، ويجد نفسه محتاجة إلى شيء ليس كهذه الأشياء طالبة به النجاة {ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً إذَا فَريقٌ مّنْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ} يعني إذا خلصناه يشرك بربه ويقول تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني بفلان، وبسبب الصنم الفلاني، لا، بل ينبغي أن لا يعتقد أنه تخلص بسبب فلان إذا كان ظاهرًا فإنه شرك خفي، مثاله رجل في بحر أدركه الغرق فيهيىء له لوحًا يسوقه إليه ريح فيتعلق به وينجو، فيقول تخلصت بلوح، أو رجل أقبل عليه سبع فيرسل الله إليه رجلًا فيعينه فيقول خلصني زيد، فهذا إذا كان عن اعتقاد فهو شرك خفي، وإن كان بمعنى أن الله خلصني على يد زيد فهو أخفى، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {أَذَاقَهُمْ} فيه لطيفة وذلك لأن الذوق يقال في القليل فإن العرف أن من أكل مأكولًا كثيرًا لا يقول ذقت، ويقال في النفي ما ذقت في بيته طعامًا نفيًا للقليل ليلزم نفي الكثير بالأولى، ثم إن تلك الرحمة لما كانت خالية منقطعة ولم تكن مستمرة في الآخرة إذ لهم في الآخرة عذاب قال أذاقهم ولهذا قال في العذاب: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 48] {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55] {ذُقْ إنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] لأن عذاب الله الواصل إلى العبد بالنسبة إلى الرحمة الواصلة إلى عبيد آخرين في غاية القلة.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {منْهُ} أي من الضر في هذا التخصيص ما ذكرناه من الفائدة وهي أن الرحمة غير مطلقة لهم إنما هي عن ذلك الضر وحده، وأما الضر المؤخر فلا يذوقون منه رحمة.
المسألة الثالثة:
قال هاهنا {إذَا فَريقٌ مّنْهُمْ} وقال في العنكبوت: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى البر إذَا هُمْ يُشْركُونَ} [العنكبوت: 65] ولم يقل فريق وذلك لأن المذكور هناك ضر معين، وهو ما يكون من هول البحر والمتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل، والذي لا يشرك به بعد الخلاص فرقة منهم في غاية القلة فلم يجعل المشركين فريقًا لقلة من خرج من المشركين، وأما المذكور هاهنا الضر مطلقًا فيتناول ضر البر والبحر والأمراض والأهون والمتخلص من أنواع الضر خلق كثير بل جميع الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما وتخلصوا منه، والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركًا من جميع الأنواع إذا جمع فهو خلق عظيم، وهو جميع المسلمين فإنهم تخلصوا من ضر ولم يبقوا مشركين، وأما المسلمون فلم يتخلصوا من ضر البحر بأجمعهم، فلما كان الناجي من الضر من المؤمنين جمعًا كثيرًا، جعل الباقي فريقًا.
{ليَكْفُرُوا بمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)}.
قوله تعالى: {ليَكْفُرُوا بمَآ ءاتيناهم فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} قد تقدم تفسيره في العنكبوت بقي بيان فائدة الخطاب هاهنا في قوله: {فَتَمَتَّعُوا} وعدمه هناك في قوله: {وَليَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} فنقول لما كان الضر المذكور هناك ضرًا واحدًا جاز أن لا يكون في ذلك الموضع من المخلصين من ذلك الضر أحد، فلم يخاطب ولما كان المذكور هاهنا مطلق الضر ولا يخلو موضع من المخلصين عن الضر، فالحاضر يصح خطابه بأنه منهم فخاطب.
ثم قال تعالى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سلطانا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ} لما سبق قوله تعالى: {بَل اتبع الذين ظَلَمُوا أَهْوَاءهُمْ} [الروم: 29] أي المشركون يقولون ما لا علم لهم به بل هم عالمون بخلافه فإنهم وقت الضر يرجعون إلى الله حقق ذلك بالاستفهام بمعنى الإنكار، أي ما أنزلنا بما يقولون سلطانًا، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
أم للاستفهام ولا يقع إلا متوسطًا، كما قال قائلهم:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ** وبين النقا آأنت أم أم سالم

فما الاستفهام الذي قبله؟ فنقول تقديره إذا ظهرت هذه الحجج على عنادهم فماذا نقول، أهم يتبعون الأهواء من غير علم؟ أم لهم دليل على ما يقولون؟ وليس الثاني فيتعين الأول.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} مجاز كما يقال إن كتابه لينطق بكذا، وفيه معنى لطيف وهو أن المتكلم من غير دليل كأنه لا كلام له، لأن الكلام هو المسموع وما لا يقبل فكأنه لم يسمع فكأن المتكلم لم يتكلم به، وما لا دليل عليه لا يقبل، فإذا جاز سلب الكلام عن المتكلم عند عدم الدليل وحسن جاز إثبات التكلم للدليل وحسن. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {مُنيبينَ إلَيْه} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: مقبلين إليه، قاله يحيى بن سلام والفراء.
الثاني: داعين إليه، قاله عبيد بن يعلى.
الثالث: مطيعين له، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع: تائبين إليه من الذنوب، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
فإن تابوا فإن بني سليم ** وقومهم هوازن قد أنابوا

وفي أصل الإنابة قولان:
أحدهما: أن أصله القطع ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة.
الثاني: أن أصله الرجوع مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة.
قوله تعالى: {منَ الَّذينَ فَرَّقُوا دينَهُمْ} أي أوقعوا فيه الاختلاف حتى صاروا فرقًا وقرىء {فَارَقُوا دينَهُم} أي تركوه وقد قرأ بذلك علي رضي الله عنه وهي قراءة حمزة والكسائي وفيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم اليهود، قاله قتادة.
الثاني: أنهم اليهود والنصارى، قاله معمر.
الثالث: أنهم الخوارج من هذه الأمة، وهذا قول أبي هريرة ورواه أبو أمامة مرفوعًا.
الرابع: أنهم أصحاب الأهواء والبدع، روته عائشة مرفوعًا.
{وَكَانُوا شيَعًا} فيه وجهان:
أحدهما: فرقًا، قاله الكلبي.
الثاني: أديانًا، قاله مقاتل.
ويحتمل ثالثًا: أنهم أنصار الأنبياء وأتباعهم.
{كُلُّ حزْبٍ} أي فرقة.
{بمَا لَدَيْهمْ فرحُونَ} أي بما عندهم من الضلالة.
{فَرحُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مسرورون، قاله الجمهور.
الثاني: معجبون، قاله ابن زيد.
الثالث: متمسكون، قاله مجاهد.
قوله: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سُلْطَانًا}.
فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني كتابًا، قاله الضحاك.
الثاني: عذرًا، قاله قتادة.
الثالث: برهانًا، وهو معنى قول السدي وعطاء.
الرابع: رسولًا، حكاه ابن عيسى محتملًا.
{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: معناه يخبر به.
الثاني: يحتج له. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله: {منيبين} يحتمل أن يكون حالًا من قوله: {فطر الناس عليها} لاسيما على رأي من رأى أن ذلك خصوص في المؤمنين، ويحتمل أن يكون حالًا من قوله: {أقم وجهك} وجمعه لأن الخطاب بإقامة الوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، نظيرها قوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1]، والمنيب الراجع المخلص المائل إلى جهة ما بوده ونفسه، والمشركون المشار إليهم في هذه الآية هم اليهود والنصارى، قاله قتادة وقال ابن زيد: هم اليهود، وقالت عائشة وأبو هريرة: هي في أهل القبلة.
قال الفقيه الإمام القاضي: فلفظة الإشراك على هذا فيها تجوز فإنهم صاروا في دينهم فرقًا، والشيع الفرق واحدها شيعة، وقوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} معناه أنهم مفتونون بآرائهم معجبون بضلالهم، وذلك أضل لهم، وقرأت فرقة {فارقوا دينهم} بالألف.
{وَإذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنيبينَ إلَيْه}.
هذا ابتداء إنحاء على عبدة الأصنام المشركين بالله عز وجل غيره بين الله تعالى لهم أنهم كسائر البشر في أنهم إذا مسهم {ضر دعوا الله} وتركوا الأصنام مطرحة ولهم في ذلك الوقت إنابة وخضوع، ف {إذا أذاقهم} رحمته أي باشرهم أمره بها، والذوق مستعار، إذا طائفة تشرك به أصنامًا ونحو هذا، و{إذا} للمفاجأة فلذلك صلحت في جواب {إذا} الأولى بمنزلة الفاء وهذه الطائفة هي عبدة الأصنام.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحلق من هذه الألفاظ شيء للمؤمنين إذا جاءهم فرج بعد شدة فعلقوا ذلك بمخلوقين أو بحذق آرائهم وغير ذلك لأن فيه قلة شكر لله تعالى، ويسمى تشريكًا مجازًا، وقوله تعالى: {ليكفروا} اللام لام كي، وقالت فرقة هي لام الأمر على جهة الوعيد والتهديد، وأما قوله تعالى: {فتمتعوا} فأمر على جهة الوعيد، والتقدير قل لهم يا محمد {فتمتعوا} وقرأ أبو العالية {فيتمتعوا} بياء قبل التاء وذلك عطف على {ليكفروا} أي لتطول أعمارهم على الكفر، وفي حرف ابن مسعود {فليتمتعوا} وروي عن أبي العالية {فيُمتعوا} بضم الياء دون تاء أولى، وفي مصحف ابن مسعود {تمتعوا} هكذا قال هارون، وقرأ عامة الناس {تعلمون} بالتاء على المخاطبة، وقرأ أبو العالية {يعلمون} بالياء على ذكر الغائب.
وقوله: {أم} بمعنى بل وألف الاستفهام كأن أضرب عن صدر الكلام ورجع إلى هذه الحجة، والسلطان هنا البرهان من رسول أو كتاب ونحوه، والسلطان في كلام العرب جمع سليط كرغيف ورغفان وغدير وغدران فهو مأخوذ من التسلط والتغلب، ولزم هذا الاسم في العرف الرئيس لأنه سليط بوجه الحق ولزمه اسم جمع من حيث أنواع الغلبة والملك عنده، وقال قوم: هو اسم مفرد وزنه فعلان، وقوله تعالى: {فهو يتكلم} معناه أن يظهر حجتهم وينطق بشركهم قاله قتادة، فيقوم ذلك مقام الكلام، كما قال تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} [الجاثية: 29]. اهـ.